الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب المحرم يحمل السلاح: هكذا جاء تفسير الجلبان في هذا الحديث ولم أسمع فيه من ثقة شيئا، وزعم بعضهم أنه إنما سمي جلبانا لجفائه وارتفاع شخصه، من قولهم رجل جلبان وامرأة جلبانة إذا كانت جسيمة صافية الخلق. قلت: ويشبه أن يكون المعنى في مصالحتهم على أن لا يدخلوها إلاّ بالسيوف في القرب أنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن يخفروا الذمة فاشترط حمل السلاح في القرب معهم ولم يشترط شهر السلاح ليكون سمة للصلح وإمارة له. .ومن باب المحرمة تغطي وجهها: قلت: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المحرمة عن النقاب، فأما سدل الثوب على وجهها من رأسها فقد رخص فيه غير واحد من الفقهاء ومنعوها أن تلف الثوب أو الخمار على وجهها أو تشد النقاب أو تتلثم أو تتبرقع. وممن قال بأن للمرأة أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها عطاء ومالك وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وهو قول محمد بن الحسن وقد علق الشافعي القول فيه. .ومن باب المحرم يظلل: قلت: فيه من الفقه أن للمحرم أن يستظل بالمظال نازلًا بالأرض وراكبًا على ظهور الدواب ورخص فيه أكثر أهل العلم، إلاّ أن مالك بن أنس وأحمد بن حنبل كانا يكرهان للمحرم أن يستظل راكبا. وروى أحمد عن ابن عمر أنه رأى رجلا قد جعل على رحله عودًا له شعبتان وجعل عليه ثوبا يستظل به وهو محرم فقال له ابن عمر أضح للذي أحرمت له أي أبرز للشمس. وحدثنا ابن الأعرابي حدثنا إبراهيم بن حميد القاضي حدثنا الرياشي قال رأيت أحمد بن المعدل في الموقف في يوم شديد الحر وقد ضحى للشمس فقلت له يا أبا الفضل هذا أمر قد اختلف فيه فلو أخذت بالتوسعة فأنشأ يقول: قلت: أحمد بن المعدل هذا بصري مالكي المذهب يعد من زهاد البصرة وعلمائها وأخوه عبد الصمد بن المعدل الشاعر. وفي الحديث دليل على جواز الوقوف على ظهور الدواب للحاجة تعرض ريثما تقضى وإن قوله لا تتخذوا ظهور الدواب مقاعد إنما هو أن يستوطن ظهورها لغير أرب في ذلك ولا حاجة إليه. .ومن باب المحرم يحتجم: قلت: لم يكره أكثر من كره من الفقهاء الحجامة للمحرم إلاّ من أجل قطع الشعر فإن احتجم في موضع لا شعر عليه فلا بأس به وإن قطع شعرا افتدى. وممن رخص في الحجامة للمحرم سفيان الثوري وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك لا يحتجم المحرم إلاّ من ضرورة لابد منها. وكان الحسن يرى في الحجامة دما يهريقه. .ومن باب هل يكتحل المحرم: قلت: الصبر ليس بطيب ولذلك رخص له أن يتعالج به، فأن الكحل الذي لا طيب فيه فلا بأس به للرجال. قال الشافعي وأنا له في النساء أشد كراهية مني له في الرجال ولا أعلم على واحد منهما الفدية. ورخص في الكحل للمحرم سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق، وكره الإثمد المحرمة سفيان وأحمد وإسحاق. .ومن باب الاغتسال المحرم: قلت: قد رخص للمحرم في غسل رأسه أكثر أهل العلم وكرهه مالك بن أنس وقال يغيب رأسه في الماء ولست أعلم فيه معنى إلاّ أن يكون قد خاف أنه إذا دلك رأسه بيديه انخص شيء من شعره فكره له ذلك من أجله. وأجمعوا أنه إذا احتلم كان عليه الاغتسال عامًا في جميع بدنه، فأما كراهته تغييب الرأس في الماء فلعله شبهه بتغطية الرأس بالثياب ونحوها ومن شبه الماء وما يفعله من مواراة بدن المنغمس فيه وتغطيته بالثياب لزمه أن يجيز للعريان إذا انغمس في الماء فغمر عورته أن يصلي وهو في الماء بلا ثياب لأن الماء قد ستر عورته عن الأبصار وما أرى أن أحدا من الفقهاء يقول ذلك إلاّ أن بعض من لا يعبأ بقوله قد قال إن ذلك يجزيه، وقد استحب بعض أهل العلم للعريان إذا لم يجد ثوبا ًيصلي فيه أن يطلي موضع العورة من بدنه بالطين ويصلي. وقوله: «بين القرنين» يريد العمودين اللذين يشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة. .ومن باب المحرم يتزوج: قلت: وقد ذهب إلى ظاهر هذا الحديث مالك والشافعي ورأيا النكاح إذا عقد في الإحرام مفسوخا سواء عقده المرء لنفسه أو كان وليا فعقده لغيره. وقال أصحاب الرأي نكاح المحرم لنفسه وإنكاحه لغيره جائز واحتجوا في ذلك بخبر ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. وتأول بعضهم خبر عثمان على معنى أنه إخبار عن حال المحرم وأنه لاشتغاله بنسكه لا يتسع لعقد النكاح ولا يفرغ له. وقال بعضهم معنى لا ينكح أي لا يطأ ليس أنه لا يعقد. قلت الرواية الصحيحة لا ينكح المحرم بكسر الحاء على معنى النهي لا على حكاية الحال وقصة إبان في منعه عمر بن عبيد الله من العقد وإنكاره ذلك عليه وهو راوي الحديث دليل على أن المعنى في ذلك العقد فأما أن المحرم مشغول بنسكه ممنوع من الوطء فهذا من العلم العام المفروغ من بيانه باتفاق الجماعة والعامة من أهل العلم. والخبر الخاص إنما يساق لعلم خاص ومعنى مستفاد لولا الخبر لم يعلم ولم يستقر فلا معنى لقصره على ما لا فائدة له. وعلم أن الظاهر من لفظ النكاح العقد في عرف الناس ولا شك أن قوله: «ولا ينكح» عبارة عن التزويج بلا إشكال فكذلك لا ينكح عبارة عن العقد لأن المعطوف به لا يخالف معنى المعطوف عليه في حكم الظاهر. قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم». قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم. قلت: وقد ذكر سعيد بن المسيب أن ما حكاه ابن عباس من ذلك وهم وحديث يزيد بن الأصم وهو ابن أخي ميمونة يؤكد ذلك. قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف». قلت: وميمونة أعلم بشأنها من غيرها وأخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس. وذهب الشافعي إلى أن المحرم إذا نكح فالعقد مفسوخ بلا طلقة. وقال مالك يفسخ بطلقة لأن هذا نكاح مختلف فيه. فيزال الاختلاف بالطلاق احتياطا للفرج. .ومن باب ما يقتل المحرم من الدواب: قال: وحدثنا علي بن بحر حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة فذكر الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور. وقال: وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا يزيد بن أبي زياد حدثنا عبد الرحمن بن أبي نُعْم، البجلي، عَن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم قال الحية والعقرب والفوسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي». قلت: اختلف أهل العلم فيما يقتله المحرم من الدواب فقال الشافعي إذا قتل المحرم شيئا من هذه الأعيان المذكورة في هذه الأخبار فلا شيء عليه وقاس عليها كل سبع ضار وكل شيء من الحيوان لا يؤكل لحمه لأن بعض هذه الأعيان سباع ضارية وبعضها هوام قاتلة وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا هي من جملة الهوام وإنما هو حيوان مستخبث اللحم غير مستطاب الأكل وتحريم الأكل يجمعهن كلهن فأعتبره وجعله دليل الحكم. وقال مالك نحوا من قول الشافعي إلاّ أنه قال لا يقتل المحرم الغراب الصغير. وقال أصحاب الرأي يقتل الكلب وسائر ما جاء في الخبر وقاسوا عليها الذئب ولم يجعلوا على قاتله فدية وقالوا في السبع والنمر والفهد والخنزير عليه الجزاء إن قتلها إلاّ أن يكون قد ابتدأه شيء منها فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه. وقالوا في السبع إذا ابتدأه المحرم فعليه قيمته إلاّ أن تكون قيمته أكثر من دم فيكون عليه دم ولا يجاوزه. وكان سفيان بن عيينة يقول الكلب العقور هو كل سبع يعقر وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد». قلت: وفي خبر أبي سعيد الخدري ما يدل على صحة ذلك وهو قوله: «والسبع العادي» فكل ما كان هذا الفعل نعتا له من أسد ونمر وفهد ونحوها فحكمه هذا الحكم. فأما الفويسقة فهي الفأرة وقيل سميت فويسقة لخروجها من حجرها على الناس واغتيالها إياهم في أموالهم بالفساد. وأصل الفسق الخروج ومن هذا سمي الخارج عن الطاعة فاسقا، ويقال فسقت الرطبة عن قشرها إذا خرجت عنه. وقوله في حديث أبي سعيد الخدري «ويرمي الغراب ولا يقتله» يشبه أن يكون أراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان، وكان عطاء يرى فيه الفدية ولم يتابعه على قوله أحد. وأخبرني أبو محمد الكراني عن الساجي قال: قال النخعي لا يقتل المحرم الفأرة وأراه قال فإن قتلها ففيها فدية. وأخبرني الحسن بن يحيى عن المنذر في كتاب الاختلاف بنحو منه إلاّ أنه لم يذكر الفدية. قلت: وهذا القول مخالف للنص خارج عن أقاويل أهل العلم. .ومن باب لحم الصيد المحرم: قلت: يشبه أن يكون علي رضي الله قد علم أن الحارث إنما اتخذ هذا الطعام من أجل عثمان ولم يحضر معه من أصحابه فلم ير أن يأكله هو ولا أحد ممن بحضرته. فأما إذا لم يصد الطير والوحش من أجل المحرم فقد رخص كثير من العلماء في تناوله. ويدل على ذلك حديث جابر وقد ذكره أبو داود على أثره في هذا الباب. قال أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب الإسكندراني عن عمرو هو ابن أبي عمرو عن المطلب عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصد لكم. وممن هذا مذهبه عطاء بن أبي رباح ومالك والشافعي وأحمد، وقال مجاهد وسعيد بن جبير يأكل المحرم ما لم يصده إذا كان قد ذبحه حلال. وإلى نحو من هذا ذهب أصحاب الرأي قالوا لأنه الآن ليس بصيد. وكان ابن عباس يحرم لحم الصيد على المحرمين في عامة الأحوال ويتلو قوله عز وجل: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} [المائدة: 96] ويقول الآية مبهمة. وإلى نحو من ذلك ذهب طاوس وكرهه سفيان الثوري وإسحاق. واليعاقيب ذكور الحجل والخبط أن يضرب ورق الشجر بعصا ونحوها ليتحات فيعلفه الإبل واسمه الخبط.
|